طباعة

الرياض – 2 سبتمبر 2020م: شهدت الأشهر الأخيرة وتحديداً منذ شهر مايو 2020م ارتفاعاً مفاجئاً في مختلف أسعار منتجات الحديد الطويلة مثل قضبان حديد التسليح وجسور الحديد وأنابيب النفط والغاز، وكذلك منتجات الحديد المسطحة مثل مسطحات الحديد المسحوبة على الساخن المعروفة بلفات الحديد الأسود، والمسطحات المجلفنة والمدهونة الملونة. واللافت أن ارتفاعات الأسعار جاءت في ظل حقيقة أن حجم الطلب الفعلي العالمي على منتجات الحديد لم يتعاف بعد ولا يزال أقل من معدلاته الطبيعية.

ارتفاعات الأسعار طالت كل سلسلة الإنتاج والتوريد العالمية فشملت خام الحديد Iron Ore الذي ارتفع سعره من 87 دولار إلى 129 دولار للطن ويعتبر العامل الأكثر تأثيراً على تكلفة إنتاج الحديد، وتبعه ارتفاع سعر خردة الحديد Scrap من 250 دولار إلى 290 دولار للطن، وكتل الحديد الصلب المربعة Billet من 380 دولار إلى 400 دولار للطن، في حين ارتفعت أسعار مادة الزنك المستخدمة في طلاء مسطحات الحديد المجلفنة من 1,950 دولار إلى 2,450 دولار للطن، ما أدى بدوره إلى ارتفاع أسعار منتجات الحديد النهائية عالمياً.

يُجمع المراقبون والمحللون على أن سبب ارتفاعات أسعار منتجات الحديد والصلب العالمية هو التحول المُفاجئ لدولة الصين من مُصدّر صافي رئيس لمنتجات الحديد إلى مستورد صافي رئيس للمواد الخام وشبه المصنعة والنهائية اعتباراً من شهر مايو 2020م وحتى الآن. وفيما تُعرف الصين بأنها أكبر مُنتج للحديد والصلب في العالم بحصة بلغت 970 مليون طن بنسبة تزيد على 50% من إجمالي الإنتاج العالمي البالغ 1.900 مليار طن خلال العام الماضي 2019م، فإنها حققت مُعدلات تصدير سنوية تجاوزت 100 مليون طن سنوياً اعتباراً من عام 2014م. إلا أن تحول دولة الصين إلى مستورد رئيس في الأشهر الأربعة الأخيرة كان غير متوقع وأدى لارتفاع أسعار خام الحديد ومنتجاته النهائية في كافة الأسواق العالمية بما فيها سوق المملكة. ويُذكر أن دولة الصين حافظت على تصنيفها كمصدر صافي لمنتجات الحديد والصلب على مدى أحد عشر عاماً منذ منتصف عام 2009م وحتى منتصف عام 2020م.

بالإضافة لاستيرادها كميات هائلة من خام الحديد خلال الأشهر الأربعة الأخيرة إذ استوردت في شهر يوليو الماضي لوحده أكثر من 100 مليون طن، قامت الصين باستيراد ملايين الأطنان من المنتجات شبه المصنعة مثل كتل الحديد الصلب المربعة والمستطيلة، ومن المُنتجات النهائية مثل حديد التسليح ولفات الحديد الأسود من عدة دول على رأسها الهند، اليابان، البرازيل وأيضاً من بعض دول الخليج، حيث استوردت 4.4 مليون طن في شهر يونيو 2020م، بينما استوردت 5.06 مليون طن في شهر يوليو 2020م. وفيما يُرجح البعض احتمال توقف الصين عن الاستيراد اعتباراً من شهر أكتوبر 2020م القادم، يتوقع البعض الآخر استمرارها بالاستيراد حتى نهاية العام الحالي على أقل تقدير.

اختلال سلسلة التوريد في أسواق الحديد والصلب العالمية بعد تحول الصين لمستورد صافي عكس شحاً في منتجات الحديد والصلب المعتاد توجيهها إلى أسواق عالمية أخرى، ما أدى إلى استمرار وتيرة ارتفاع الأسعار عالمياً. ويعزو بعض المختصين الاختلال الحاصل إلى مجموعة عوامل أغلبها ذات علاقة بالداخل الصيني. فقد ساهمت عودة الصين السريعة للأعمال وتعزيز الإنفاق على البنية التحتية بعد فترة الإغلاق بسبب جائحة كورونا في عودة الحركة الاقتصادية ومعدلات الطلب بخلاف أغلب الأسواق العالمية الأخرى التي لا تزال متأثرة بالجائحة، إضافة إلى قيام الحكومة الصينية بتقديم مجموعة من الحوافز الاقتصادية لتنشيط الحركة الاقتصادية منها خفض نسبة الفائدة وتيسير الائتمان، ما وفر سيولة نقدية عالية دفعت بعجلة الاستثمار العقاري فارتفع الطلب على منتجات الحديد بشكل لافت، ما شجع أيضاً تجار الحديد على ممارسة مضاربات شرائية لرفع مستويات التخزين لمواجهة الطلب المتزايد المتوقع خلال النصف الثاني من العام الحالي 2020م. وهذه العوامل كلها خلقت حالة من عدم التوازن أدت إلى تعزيز الإنتاج الصيني الداخلي والاستيراد من الخارج على حد سواء.

ويضاف إلى أسباب الاختلال أيضاً عامل رئيس هو شح إنتاج خام الحديد Iron Ore خلال بعض أشهر النصف الأول من العام الحالي 2020م في الدول الأكثر شهرة من حيث إنتاجه مثل البرازيل التي انخفض إنتاجها في شهر مايو 2020م بنسبة 28.2% مقارنة بشهر مايو 2019م بسبب تعرضها إلى جائحة كورونا بشكل حاد جعلها في المرتبة الثانية عالمياً بعدد الإصابات بعد الولايات المتحدة الأمريكية. ويُذكر أن البرازيل صدّرت 145.100 مليون طن من خام الحديد في النصف الأول من العام الحالي 2020م بنسية تقل عن نفس الفترة من العام الماضي بنسبة 10.7%. وبلغت حصة الصين من صادرات البرازيل خلال النصف الأول من عام 2020م ما نسبته 66%.

وفيما يُتوقع أن تعود الصين سريعاً إلى سابق عهدها كمصدّر صافي في أي وقت خلال الربع الرابع من العام الحالي 2020م، يستمر ترقب ما سيحصل من متغيرات خلال الفترة القادمة في ظل حقيقة أن أسعار الحديد والصلب العالمية شهدت ارتفاعات غير متوقعة في ظل استمرار جائحة كورونا وتأثر أغلب دول العالم بها، وأن استمرارها في الارتفاع على المدى القصير لا يزال مرجحاً، وأن تراجعها أيضاً محتمل خاصة في ظل استشعار الحكومة الصينية إساءة استخدام محفزاتها الاقتصادية التي أدت إلى انفلات وتصاعد أسعار العقارات وإعلانها عن تضييق الحوافز الاقتصادية وتشديد الضوابط من أجل كبح جماح أسعار العقارات، ما يعني توقع تباطؤ التسهيلات الائتمانية وخفض الطلب وإنهاء مضاربات الشراء على منتجات الحديد والصلب.

أما على الصعيد المحلي، فقد أكد مختصون محليون على أن صناعة الحديد بالمملكة تتأثر بمتغيرات الأحداث والأسعار العالمية كونها تؤثر في أسعار المواد الخام والمنتجات النهائية، وأشادوا بتطور صناعة الحديد بالمملكة التي احتلت المركز العشرين على مستوى العالم بحسب تصنيف منظمة الحديد العالمية لعام 2020م، وأنها تتمتع بطاقات إنتاجية قادرة على تلبية كامل احتياجات السوق المحلية سواء من منتجات الحديد الطويلة أو المسطحة.

—————————————————— انتهى ——————————————————

%d مدونون معجبون بهذه: