طباعة

الرياض 27 مايو 2021م: منذ منتصف العام الماضي، شهدت أسعار المواد الخام وبالتالي المنتجات النهائية من الحديد والصلب ارتفاعات متتالية وغير مسبوقة شملت كل أصناف الحديد سواء المنتجات الطويلة المتمثلة بقضبان ولفات حديد التسليح وجسور الحديد وأنابيب النفط والغاز، أو المنتجات المسطحة المتمثلة في مسطحات الحديد المسحوب على الحار وعلى البارد، والمسطحات المجلفنة بالزنك والمدهونة الملونة.

يعزو مراقبون ومحللون استمرار ارتفاع أسعار الحديد إلى عوامل متعددة ومتنوعة. ففي حين بدأ ارتفاع الأسعار بسبب تحول جمهورية الصين الشعبية المفاجئ من مُصدّر صافي إلى مستورد صافي لمنتجات الحديد النهائية في الربع الثالث من عام 2020م، تبعه عامل آخر وهو شح إنتاج خام الحديد Iron Ore في الدول الأكثر شهره في إنتاجه مثل البرازيل التي تعرضت إلى انفلات في جائحة كورونا وتعرض أحد مناجمها الرئيسة لانهيار، وكذلك أستراليا التي تعرضت إلى فيضانات أثرت على الإنتاج والتوريد.

وفي الأشهر الأولى من عام 2021م، أدت مجموعة عوامل أخرى إلى استمرار ارتفاع أسعار مواد خام الحديد والصلب ومنتجاتها النهائية، ومنها تحسن وارتفاع الطلب العالمي وتحديداً في الصين والهند ودول الاتحاد الأوروبي الذي تزامن مع عمليات تصحيح في مصانع الحديد والصلب العالمية تهدف إلى توافق عملياتها الإنتاجية مع متطلبات تحسين البيئة والحد من انبعاثات الغازات مراعاة للضوابط الخاصة بتغير المناخ Climate Change، ما تسبب في استمرار اختلال سلاسل التوريد وارتفاع الأسعار. وفي هذا الإطار، يُذكر أن جمهورية الصين الشعبية تُعد أكبر منتج للحديد والصلب بنسبة بلغت 53.5% من إجمالي الإنتاج العالمي البالغ 1.955 مليار طن عام 2020م. وكانت قد صدرت الصين عام 2014م ما يقارب 112 مليون طن، في حين انخفضت صادراتها تدريجياً حيث سجلت 62 مليون طن عام 2019 و 54 مليون طن خلال العام الماضي 2020م.

وفي مقارنة لمتوسطات الأسعار ما بين مايو 2020م ومايو 2021م، فإن ارتفاع سعر خام الحديد من 87 دولار إلى 227 دولار، وهو من العوامل الأكثر تأثيراً على تكلفة إنتاج الحديد إلى جانب سعر خردة الحديد “السكراب” الذي ارتفع بدوره من 250 دولار إلى 510 دولار، أدى إلى ارتفاع أسعار منتجات مثل كتل الحديد الصلب Billets المستخدمة في إنتاج قضبان حديد التسليح من 380 دولار في مايو 2020م إلى أكثر من 685 دولار في مايو 2021م وبزيادة بلغت 80%. وكذلك ارتفعت أسعار مسطحات الحديد المسحوبة على الساخن المستخدمة في إنتاج مسطحات الحديد المسحوبة على البارد والمجلفنة والمدهونة الملونة من 410 دولار في مايو 2020م إلى 1,100-1,130 دولار واصل الموانئ السعودية وبزيادة قاربت 170%. كما وارتفع سعر مادة الزنك المستخدمة في طلاء مسطحات الحديد المجلفنة والملونة من ما متوسطه 1,963 دولار في مايو 2020م، إلى ما متوسطه 2,965 دولار في مايو 2021م بزيادة تجاوزت 50%.

وفي عامل معاكس مع بداية شهر مايو الحالي، سعت جمهورية الصين الشعبية إلى كبح أسعار الحديد والصلب في سوقها المحلية بالذات عبر قرار إلغاء “نظام الخصم التعويضي Rebate System” على صادرات أغلب منتجات الحديد من أجل تقليص الصادرات لصالح السوق المحلية وبهدف تصحيح الأسعار التي بلغت مستويات “غير معقولة”. ونظام الخصم التعويضي كان يستند إلى منح الحكومة الصينية تعويضاً عن قيمة الضريبة المضافة للمصدرين الصينيين بنسبة 13%، ما تسبب في رفع إضافي لأسعار منتجات الحديد الصينية الموجهة للتصدير مقابل تخفيضها في السوق المحلية، وهو ما دفع العديد من المنتجين العالميين الآخرين مثل الهند واليابان وتايوان وآخرين إلى رفع أسعار منتجاتهم الموجهة للتصدير. وفي تطور لاحق، أعلنت الحكومة الصينية بأنها قد تضطر إلى فرض ضريبة على صادرات الحديد إذا لم تنخفض الأسعار في السوق المحلية إلى مستويات “معقولة ومُقنعة”.

وفيما يدور الحديث عن أن الأسعار بدأت بالانخفاض في الداخل الصيني، إلا أن بعض المراقبين والمحللين يرجحون أن ما تصبو إليه جمهورية الصين الشعبية لربما لن يصمد طويلاً، وأن ذلك لن ينعكس على أسعار التصدير لكون الأمر مرتبط بمجموعة من العوامل العالمية الضاغطة الأخرى التي تدفع باتجاه إدامة أمد مستويات الأسعار المرتفعة. وفيما يبدو أن تعدد وتنوع العوامل المؤثرة في الأسعار جعل من قراءة المشهد وتوقع ما ستؤول إليه الأمورمسألة معقدة، وقد تحتاج إلى وقت أطول مما يُعتقد حتى تتضح الأمور وتستقر على حال تكون فيه هذه العوامل أو على الأقل غالبيتها أكثر استقراراً مما هي عليه الآن.

أما على الصعيد المحلي، ورغم تأثر الأسعار محلياً بسبب الارتفاعات العالمية المتتالية لخام الحديد ومنتجاته النهائية، إلا أن مستوى الأسعار يظل أقل مما وصلت إليه في الأسواق الأوروبية والأمريكية وأغلب الأسواق الإقليمية. وقد أفاد مختصون محليون بأن مصانع الحديد والصلب في المملكة تتمتع بطاقات إنتاجية قادرة على تلبية كامل احتياجات السوق المحلية، وأن لديها فوائض إنتاج مكنتها من زيادة التصدير لوجهات عديدة من دول العالم بما فيها جمهورية الصين الشعبية الأكبر إنتاجاً واستهلاكاً على مستوى العالم.

———————————— انتهى ——————————–

[xyz-ips snippet=”page-count”]

%d مدونون معجبون بهذه: